المراكز الصحية الخاصة.. أرباح كبيرة وأخطاء "قاتلة" والمريض الضحيةشقران الرشيدي- سبق- الرياض: حظي القطاع الصحي الخاص بدعم واهتمام الدولة إدراكاً منها لدوره المهم كخيار طبي آخر يقلل ازدحام المستشفيات الحكومية، ويقدم خدمات صحية متقدمة للمجتمع.. لكن إلى أي مدى أسهمت المراكز الصحية الخاصة في تقديم خدمة طبية مناسبة للمواطنين؟ وما أسباب الشكاوى من ارتفاع أسعارها وأخطائها الطبية المتكررة؟ ولماذا تمارس بعضها التحايل وإرهاق جيوب المواطنين بطلب التحاليل، وإجراء الأشعة، وشراء الأدوية دون الحاجة إلى ذلك؟.. تساؤلات تحاول "
سبق" الإجابة عنها في هذا التحقيق.
عن ظاهرة تزايد المراكز والمجمعات الطبية في كل حي تقريباً وتدني خدماتها، يقول المواطن محمد السويلم: "يا أخي أينما ذهبت اليوم في مدينة الرياض ترى أمامك مستوصفاً خاصاً أو مركزاً صحياً أو عيادةً، والمسألة أصبحت "بزنس"، ومكسباً مادياً لا أكثر ولا أقل". ويشير السويلم إلى أن صحة المواطن وأسرته تقع في آخر اهتمامات القائمين على هذه المراكز وملاكها والدليل أن بعض الشقق والمحال تحولت إلى أماكن لإقامة العيادات، والمستوصفات الخاصة. ويطالب السويلم وزارة الصحة والجهات الرقابية بمتابعة هذه المراكز، فالخدمة متدنية وضعيفة، وقيمة الكشف والتحاليل والأدوية عالية ومبالغ فيها.
وأصرت منيرة العبدالله عندما علمت بأننا من "
سبق" على الحديث، قائلة:
"أشكر "
سبق" على اهتمامها بالمواطن ومتابعة هذه القضايا.. لكن عندي ملاحظة وهي أن المستوصفات الخاصة تستغلنا بشكلٍ كبير، فالأجنبي يأخذ تأميناً طبياً، ويدفع قيمة قليلة، والسعودي يدفع السعر العالي ولا تُقدم له خدمة صحية، فمثلاً يتم إعطاء المريض أدوية ليس بحاجة إليها، وأحياناً يجعلون المريض يدفع قيمة الاستشاري وهو لا يحتاج إليه، وكذلك يفرضون تصوير أشعة، وتحاليل دم وبول ويجبرونه على دفع 500 إلى 700 ريال في مراجعة واحدة بلا داعي".
أما أم خالد التي التقيناها بصحبة ابنها خالد الخليوي في أحد المراكز الخاصة بمتابعة الأمراض الباطنية، فتقول: "يا ولدي أراجع المستوصفات الخاصة وأدفع فلوسي.. "وش أسوي" لا أحصل على رعاية في مستشفيات وزارة الصحة فمواعيدهم طويلة والازدحام دائم، لكنني هنا أحصل على رعاية كاملة، ويتابعون حالتي باستمرار وأنا مشتركة في برنامج مرض السكر، والعيب الوحيد أن الأسعار مرتفعة".
وفي السياق ذاته يقول المواطن سليمان الشراري: "تضطرني ظروف عائلتي إلى التعامل مع هذه العيادات بسبب زحمة المستشفيات الحكومية، وملاحظتي أنها تعاني إهمالاً خطيراً في النظافة والتعقيم، ففي إحدى المرات أُصيب ابني بعدوى فيروس الكبد لأن جهاز قياس حرارة الفم كان ملوثاً بلعاب مريض قبله، وعندما شكوتهم أنكروا ذلك وغيروا موقع عيادة الكشف، وبسببهم دفعت مبالغ مالية كبيرة لعلاج ابني على الرغم من أنهم السبب في إصابته". ويضيف الشراري: هؤلاء المستثمرون يأخذون مساعدات مالية من وزارة الصحة، ويحصلون على فواتير المراجعين ولا يقدمون شيئاً للمجتمع، فبأي حقٍ يجعلون قيمة الكشف 70 ريالاً غير الأدوية".
وتعتقد دعاء اليوسف، مراجعة في أحد المراكز الصحية، أن السبب في تدني مستوى الخدمات الصحية الحكومية جعل المواطن يبحث عن البديل الجيد، فالصحة هي أهم ما يملك الإنسان. وتضرب المثال، قائلة: "تخيل أن قريبة لي ابنتها كانت تعاني ضيقاً في التنفس أعطيت حقنة في أحد هذه المراكز أدت إلى تورم قدميها لمدة أسبوع.. وكادت تصاب بشلل لولا لطف الله، وأعتقد أن بعض الأطباء والممرضات لا يعرفون أساسيات الطب بل إنني أشك أنهم حصلوا عليها بالتزوير والغش".
ومن جهة أخرى أكدت الأستاذة الجامعية د. منال الخضيري، أن انتشار المراكز الصحية الخاصة يعود في الأساس لتدني مستوى الخدمة العلاجية الحكومية. وتقول الخضيري:" الخدمة تختلف ما بين عيادة وأخرى، لكن لا يمكن التهاون فيها لأنها تودي بحياة أي شخص إذا لم يتم تشخيص حالة المريض بدقة أو تم إعطاؤه دواءً ليس له علاقة بمرضه، وبالتالي فإن هذه مسؤولية يجب على القائمين الاهتمام بها وإدراك مخاطرها".
أما عبير النويصر، مسؤولة علاقات عامة في أحد المراكز الطبية، فتوضح أن هناك مراكز صحية عالية المستوى، وخدماتها الطبية تخصصية متميزة، لكن فتح المجال للجميع أضر بهذا النوع من الاستثمار لأنه أتى على حساب صحة المواطنين.
ومن جانب آخر المديرة السابقة لمركز طبي خاص للأسنان، تقول سوسن مرتضى: "نعم الاهتمام بالربح يأتي أولاً.. فلك أن تعرف أن المدخول الشهري لا يقل في بعض الأحيان عن 400،000 شهرياً، وهو مبلغ كبير يسيل لعاب الكثير من المستثمرين للدخول إلى هذا المجال، وعند الحصول على الترخيص يسارعون لجلب أطباء وممرضات وافدين قليلي الخبرة والتجربة فتزداد الشكوى من الأخطاء الطبية، والإهمال، ونقص المهارة، وهذا في رأيي سبب لجوء السعوديين للسفر للخارج للعلاج".
من جهة أخرى تقول نائلة عبد الحكيم، مستثمرة وصاحبة مجمع طبي خاص:
"انتشار العيادات الخاصة في الآونة الأخيرة يعود إلى منح التراخيص بطريقة غير منظمة، مما أبرز الكثير من المشاكل أهمها عدم وجود الكفاءات والإمكانيات التي تساهم في تقديم خدمات متميزة ومقبولة للمواطنين"، مشيرة إلى أن إقامة أي مشروع طبي يجب أن يتم وفق أنظمة وقوانين صارمة تجبر هذه العيادات على تطوير خدماتها وإمكانياتها بما يتناسب مع احتياجات ورغبات المواطنين. وبحسب - نائلة عبد الحكيم-أصبحنا نرى إقامة أي عيادة خاصة دون النظر إلى أي اعتبارات كموقع العيادة ومستوى الخدمة وخبرة الكادر الطبي والتمريضي.
وتشير نائلة إلى أن تكلفة المواد الدوائية تشهد في بعض الأحيان ارتفاعاً في الأسعار ولكن ارتفاع أسعارها لا يمنع تقديم خدمات للمرضى المرتادين للعيادات والمستشفيات الخاصة. وتقول: "نلاحظ أنه يوجد في بعض الأحياء 5 عيادات بينما أن المنطقة بحاجة إلى عيادة واحدة فقط".